(ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون)

صدق الله العظيم

الشيخ محمد أمين كفتارو
حياته:

ولد الشيخ أمين كفتارو، والد سماحة الشيخ أحمد كفتارو وشيخه، عام 1294 هـ الموافق 1877 م ، والده الشيخ موسى كفتارو ذو الأصل الكردي الذي هاجر من (كرمة) على الحدود السورية الشمالية إلى دمشق حيث لازم جامع أبي النور ذاكراً ومتعبداً وناصحاً فيه حتى وافاه الأجل بعد سنوات قليلة, وقد أتقن اللغة العربية خلال إقامته في دمشق, وخلفه بعد ذلك ولده الشيخ أمين كفتارو، والذي كان قد عكف على طلب العلم الشرعي منذ طفولته، فنجب بين أقرانه، فقد أتقن العلوم الشرعية، وحفظ كتاب الله تعالى، فقام إماما ً ومعلما ً في جامع أبي النور، حتى التقى بشيخه الشيخ عيسى الكردي النقشبندي فأخذ عنه طريق التربية وتزكية النفس، فأجازه بالإرشاد والتعليم، والتزكية والتربية، وأمره بملازمة مسجد أبي النور، فكان لا يترك مجلسه فيه حتى تحلق حوله عدد كريم من خيرة رجال دمشق وصلحائها، وأصبح مسجد أبي النور منذ ذلك الحين من أكبر مدارس التربية الروحية وتزكية النفس في بلاد الشام.

منهجه في الدعوة إلى الله:

لقد اعتمد الشيخ أمين عليه رضوان الله مسلكاً تجديدياً في التربية والتعليم، ويظهر ذلك من خلال كتبه التي كان يقررها على طلابه، فقد اعتمد لهم في الفقه كتاب الإمام الشعراني: (الميزان)، وهو كتاب نفيس عني فيه الشعراني بالتوفيق بين منهج أهل الفقه ومنهج أهل التربية، فبذلك أسعدهم بنعيم ذكر الله وتزكية النفس من غير أن يحجب عنهم المعارف الشرعية الضرورية.
كذلك فإن الشيخ أراد ببحثه هذا إزالة التعصب المذهبي الذي كان على أشده تلك الأيام، فقد عني الشعراني بالدليل لدى تقرير الحكم الشرعي، بغض النظر عن موافقته لمذهب دون مذهب، كما عني بالاستدلال لكافة الأئمة فيما ذهبوا إليه من اختيارات في الفقه، أصوله وفروعه.
كما قرر الشيخ أمين تدريس كتاب (بداية المجتهد) لابن رشد الحفيد وهو كتاب ألفه القاضي المالكي ابن رشد الحفيد اعتمد فيه منهج الجمع بين الأدلة ومقارنة المذاهب الفقهية، حتى إنه رجَّح في كثير من الأحيان آراء غير المالكية في فروع فقهية مختلفة.
ولا شك أن اعتماد مثل هذه المناهج التدريسية يكشف لك عن الفهم التجديدي الواضح الذي أراده الشيخ أمين لحركته الإسلامية الناهضة.
ومن أخصِّ ما يروى في هذا الباب ما اختاره الشيخ أمين لنفسه حينما أفتى بترك صلاة الظهر عقب صلاة الجمعة إذا تعددت المساجد في البلد الواحد لحاجة، فقد أثارت هذه الفتوى حنق كثير‏ من المتعصبين الجامدين، ‏إذ رأوا فيها خلافاً للمشهور في مذهب الشافعية والحنفية، ولكن الشيخ مضى في فتواه، وأصدر في بيان ذلك رسالة خاصة طبعت عام 1342هـ أسماها:
رسالة في جواز تعدد الجمعة في البلد الواحد وبيان أنها تقوم مقام فريضة الظهر)). وفيها يقول ص 30 : قال الإمام الشافعي رضي الله عنه للمزني: لا تعمل بكل ما أقول، وهكذا وصية المجتهدين حيث قالوا : لا يجوز العمل بكل ما قلنا إلا لمن علم من أين أخذنا، فهذه المسألة من المسائل الاجتهادية ومعلوم أن اجتهاد المجتهد يفيد الظن ولا يجوز العمل بكل الظنيات التي تفاد من كلام المجتهدين).
وهكذا فقد كانت بذور التجديد والانفتاح والوعي مهيئة في جامع أبي النور، وقد زرعها الشيخ أمين في أرض مخصبة، حرثها واستصلحها بنفسه.
وفي هذا الجو من التأهيل الحقيقي والانفتاح على فهم الإسلام من مصادره والوعي لمقاصد الشريعة، ولد الشيخ أحمد في دار العلم وتربية، وتقلب في تلك البيئة الطاهرة تهيئهُ الأيام لأشرف المهمات وأقدس الواجبات.